إن
نتائج الاستثمار في المورد البشري واضحة، وجلية عند تتبعنا لدول قطعت مراحل في هذا
المجال، فعلى سبيل المثال نجد أن دولة مثل اليابان حجزت مكانة مرموقة بين الدول
المتقدمة اقتصادياً، وعلمياً بالرغم من محدودية مواردها، ويعود هذا التقدم إلى
اعتمادها على مواردها البشرية التي حرصت على تأسيسها، وتأهيلها وتنميتها،
وقد ابدع المورد البشري الياباني في تقديم طرق جديدة لانجاز الأعمال
لتتوافق مع محدودية الموارد باليابان، فعلى سبيل المثال، وليس الحصر ابتكرت شركة
تويوتا الغنية عن التعريف نظام الانتاج بحسب الوقت المحدد (Just In Time)الذي
ساهم في تفوقها ونجاحها، فهذا النظام يساهم في خفض تكاليف الانتاج بمراحله المختلفة
دون الاخلال بالجودة، من خلال التحديد المسبق لنوع المنتج والوقت اللازم لإنجاز
العمل، والكمية المطلوب انتاجها، وكل ذلك بحسب طلب الزبائن.
أما
مفهوم الكايزن (Kaizen) والذي
يعني بالعربية "التحسين المستمر" ، فيعود الفضل في انتشاره في ثمانينات
القرن الماضي إلى الياباني "ماساكي إماي"، وتكمن أهمية تطبيق هذا
المفهوم في المساهمة بالحصول على أفكار جديدة، ومبتكرة لتحسين طرق، وآليات العمل،
والحفاظ على قدرة الشركة أو المؤسسة على المنافسة، من خلال التحسين المستمر الذي
يتم تدريجيا في موقع العمل، كما انه يحسب للهند قدرتها على تأهيل موارد بشرية
متميزة بمختلف المجالات، ونذكر اسهامها
الواضح في التطور المتحقق على المستوى العالمي في قطاع تقنية المعلومات والتجارة
الالكترونية، ووجود أكاديميين يعملون بمختلف الجامعات العالمية وصلوا الى أعلى
المراتب، واثراء المكتبات بكتب قيمة بهذا المجال، كما تولى المورد البشري الهندي
ادارة كبرى الشركات العالمية في مختلف القطاعات، وفي مجال تقنية المعلومات نذكر
"ساتيا نادالا" الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوف.
وعلى المستوى المؤسسي، فإن جميع العاملين بالمؤسسة أو الشركة وبمختلف
الاختصاصات، والمسميات الوظيفية، هم عماد هذه المؤسسة التي تعتمد عليه في
تحقيق الأهداف، والطموحات، فهم المخططون وتقع على عاتقهم مسؤولية التطوير وكذلك
توظيف، واستغلال مختلف موارد المؤسسة أو الشركة لتحقيق الأهداف والغايات ومواجهة
التحديات.
ولإدارة
الموارد البشرية أهمية بالغة تتمثل في رفع كفاءة الموظفين والعاملين إلى أعلى
مستوياتها، والسعي لتحقيق الأهداف المرجوة، وبأقل التكاليف، وبأقصى سرعة ممكنة،
وتوظيف جميع امكانيات المؤسسة أو الشركة بأفضل الطرق، والقدرة على التعامل مع
العوامل المؤثرة على بيئة العمل، وتنقسم العوامل المؤثرة إلى داخلية كتوفر الكوادر
المدربة والمؤهلة بها وموقعها الجغرافي، ويتم تصنيف هذه العوامل إلى عناصر قوة
(Strengths) أو ضعف (Weaknesses)، أما بالنسبة للعوامل
المؤثرة الخارجية، فإن المؤسسة أو الشركة لا تملك أي تأثير عليها، ولكنها تستطيع
توظيفها لصالحها وتحويلها إلى فرص (Opportunities) وفي
حالة إهمالها فمن الممكن أن تمثل تهديدا (Threats) عليها
وأبرز العوامل الخارجية مرتبطة بالموردين، والمنافسين، والأسعار، والقوانين
والتشريعات.
وتشمل
استراتيجيات إدارة الموارد البشرية عدة جوانب منها استقطاب، وتأسيس الموارد
البشرية بالمؤسسة أو الشركة من خلال جذب عناصر تتمتع بالكفاءة والخبرة المتوافقة
مع الاحتياجات، وإدارة أداء الموارد البشرية الذي يشمل قياس وتقييم الأداء، وضبط
توافق الأداء الفعلي مع الأداء المطلوب ، وتدريب وتأهيل الموارد البشرية لرفع
كفاءتها وصقل مهاراتها، والتقدير المادي للموظف من خلال نظام رواتب وحوافز
مناسب.
وختاماً
فإن أهم مرحلة من مراحل بناء المورد البشري تتحقق في مراحل مبكرة من عمر الإنسان
، ففي مرحلة الطفولة تتحدد معالم شخصية الانسان، ولذلك تقع على الأسرة
والمدرسة مسؤولية هامة في إعداد الأبناء، وبناء شخصية يُعتمد عليها من خلال غرس
القيم التي من شأنها تهيئتهم للنجاح في الحياة، فالاخلاص في العمل، وحب الأوطان،
والصدق، والانضباط، وتنظيم الوقت، والثقة بالنفس، والقدرة على التعبير من خلال
اتاحة الفرصة لهم، وتدريبهم منذ الصغر على التعبير عن ارائهم، والتركيز على تنمية
مهارات التعلم، والتعامل مع أدواته التي أصبحت متاحة بشكل أكبر بفضل التقدم
التقني، والابتعاد عن أسلوب التلقين، والاكتشاف المبكر لمواهب الطفل وتبنيها ،
كلها عوامل مساهمة في بناء شخصية قوية، وسوية تبني، وتعمر الأوطان .
نشر بإصدار رواق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق